أدخل البيت لأرى وجوها ملّت الجلوس بلا عمل .. ملّت الصيف الحار .. ملّت المكوث بلا سفر .. ملّت مشاهدة المسلسلات التركية !!فأقترح عدة اقتراحات للخروج خارج المنزل للتنزّه .. كلّها قوبلت بالرفض لحرارة الجو .. فتقترح أختي أن نذهب للسينما .. وافقت بشرط أن أقرأ عن الفلم قبل دخوله فهذه عادتي .. أحب أن اختار أفلاما لها قصة .. وأحب حين مشاهدة الفلم أن أقرأ الرسائل اللامباشرة التي يوجهّا الكاتب من خلال هذه الوسيلة المرئية.. ! لكن هذه المرّه لم أقرأ عن فلم " عسل أسود " حين أخترته لأني أعلم أن أحمد حلمي يقدّم رسالة ممزوجة بكوميديا جميلة .. فوافقنا على الذهاب لمشاهدة الفلم .. وكعادتنا حجزنا التذاكر من الموقع الالكتروني الخاص بالسينما لتفادي الازدحام على شبّاك التذاكر
لا أريد أن أذكر أحداث أو قصة الفلم لكي أضمن لكم مشاهدة ممتعة .. لكن الفلّم وجّه رسائل عديدة للمشاهدين منها القويّه والتي أتوقع أن تُنتقد بشدة لصراحتها المفرطة لكن أحببتها لصراحتها .. ومنها خفيفة العيار التي تشد الانتباه وربما تصيب وربما تخترق الأذن وتخرج من أختها !
الفلم شدّني كثيرا .. فشخصية أحمد حلمي تمثل شخص مغترب غاب عن بلاده كثيرا ثم رجع بعد عشرين سنة ليرى فروقات كثيره بين بلد الاغتراب وموطنه الأول .. هذه القصة تعنيني كثيرا لأني عشتها عند قدومي لأول مره الى وطني .. كنت ألاحظ فرقات واسعة المدى .. ولازلت الآن ألاحظ هذه الفروقات لكن بنظرة موزنة تذكر ايجابيات كلا البلدين
وجّه الفلم رسالة جانبيّة تنتقد جانب معيّن من الشعب .. هي رسالة خفيفة وربما تعتبرها ليست مهمة .. لكن أنا أعتبره من أوليات الحب !
ركب أحمد مع سائق أجره وأثناء حديثهما طلب أحمد سندويشة فول فهو لم يتناول الفول من عشرين سنة .. فبعد الانتهاء من الفول رمى السائق القمامة من نافذة السيّارة !! فسأله أحمد بغضب ماذا تفعل ؟ فأجاب
" ما تخفش .. في ناس بينضفوا البلد "
بعد استمرار السائق بالتجول مع أحمد .. كان هناك مشهد في نهاية الفلم للسائق وحده دون أحمد وهو ينوي أن يرمي علبة السجائر على الأرض ثم يتذكر ويسكنها في القمامة عوضا !
فضحك جمهور السينما .. وصفّق للسائق بل صفّق "لحلمي " الذي نشّط هذا المفهوم المنسي لدى السائق !!
أما أنا فقد صفّقت فرحا للجمهور .. ظنتت أنه حب الوطن قد أعيد تنشيطه في أذهانهم مرة أخرى .. وسيحرصون على نظافته !
أنتهى الفلم .. فطلبت من أهلي المكوث حتى خروج معظم الناس لتفادي الازدحام .. فلمّا أضيئت الأنوار قمنا ! لنرى مشهد درامي في حب الوطن كان أبطاله حبّات النفيش التى ألقت بحياتها على الأرض وعلب البيبسي والناتشوز الجريحة على كراسي السينما !! مشهد جدا حزين !!
ثم رأيت طفله مع والدها .. قد أخذت هذه الطفلة علبة الناتشوز الخاصة بها تريد أن ترميها في القمامة خارج السينما .. هنا أرتفعت معنوياتي وقلت أن لم يفهم كبارنا فحوى هذه الرسالة .. قد فهمها أطفالنا !
ثم سألت أبوها :
" يبى وين أحط هذا "
فأجاب الوالد غاضبا :
" غلط حبيبتي .. ليش تاخذينه !!! هذا يحطونه هني ! "
ثم وضعه تحت أحد الكراسي !!!!!
وقفت مذهولا أتابع المشهد .. !! تساءلت هل بعد هذا الموقف سترمي هذه البنت القمامة في محلها مستقبلا ؟
هل ستصدق والدها وأغلبية علب الناتشوز المرمية .. أم ستصدق عسل أسود ؟
ماكو فايدة يا عسل أسود !